هل هو عقاب مدبّر لبن غبريط، ديوان الامتحانات، أم خطوة لخلخلة منظومة التربية؟!

مازالت الأسر الجزائرية ومعها مكونات الأسرة التربوية تحت وقع الصدمة ممّا حصل في اليوم الأول من امتحان شهادة البكالوريا، الكل مندهش ومستغرب للخطأ الوارد في موضوعي اختبار مادة اللغة العربية، أين استُبدل فيهما اسم الشاعر العربي الفلسطيني محمود درويش باسم الشاعر العربي السوري نزار قباني، وأين تمّ طرح سؤال في الإعراب لـ "درس المنادى"، الذي لم يدرسه الكثير من التلاميذ، زد على هذا تسريب أسئلة الاختبارات عبر تقنية الجيل الثالث للهواتف الذكية مباشرة، بعد حوالي 20 دقيقة من توزيع أوراق الأسئلة، وتسريب المواضيع والأسئلة المزورة عبر الفايسبوك، والأدهى والأمرّ أن أسئلة مادة التربية الإسلامية زوالا شهدت نفس التسريبات، التي اكتسحت شبكة التواصل الاجتماعي بشكل صارخ.
ما حصل أول أمس في اختباري اللغة العربية والتربية الإسلامية يدعو بالفعل إلى الدهشة، ويفرض على وزارة التربية الوطنية، والديوان الوطني للامتحانات والمسابقات التفكير من جديد وبعمق في البحث عن كيفيات جديدة مُتقنة ، ومُشبعة بأهل الخبرة الكبيرة والرزانة، والقدرة الفائقة في اختيار مواضيع الاختبارات، وتحديد أسئلتها بدقة متناهية، مع وضع سُلّم محدد لتنقيطها، ويرى أهل الاختصاص أن يتمّ هذا عبر لجنتين اثنتين، الأولى خاصة بإعداد المواضيع والأسئلة، والثانية خاصة بإعداد سلم التنقيط ، وُيستحسن أن تُسند هذه المواضيع وهذه الأسئلة للمراجعة من قبل لجنة ثالثة مُختصة، مشكلة من كفاءات وطنية، مشهود بكفاءتها وقدرتها. الأمر الثاني الواجب اتخاذه.
وقد كان من المفروض ومن الواجب أن يكون قد اتخذ أمس قبل اليوم، وهو أن تضع وزارة التربية الوطنية والديوان الوطني للامتحانات والمسابقات نصب أعينهما أن أساليب الغش وتسريب المواضيع والأسئلة تتمّ بطرق متطورة جدا، ومن غير الممكن رصدها، أو حتى الوقوف عليها من قبل كل الحراس، والأمر هنا لا يستلزم اجتهادا آخر غير اللجوء مباشرة إلى إقرار حذف وإنهاء مجال التغطية بشبكات الهاتف وكافة أشكال التواصل الاجتماعي، ويُشترط أن يعمم هذا الوضع على كامل مراكز الاختبارات عبر الوطن. الأمر الآخر الهام الواجب المسارعة إليه، ومن دون أدنى تردّد، وهو أن تُظهر الدولة الجزائرية صرامتها وجدّيتها ومسؤوليتها الكاملة في تأمين المصداقية الكاملة لكل الامتحانات الرسمية، ولاسيما منها امتحان شهادة البكالوريا، ويكون ذلك عن طريق استخدام العدالة استخداما أمثل، وعلى أن تكون مرفقة بالجدية والصرامة الكاملة في التحقيقات الميدانية، والجزاءات القانونية المنتهية إليها.
ويبدو أن هذا ما تفطنت إليه نيابة الجمهورية لدى محكمة سيدي امحمد بالعاصمة، إذ طالعتنا أمس برقية لوكالة الأنباء الجزائرية بهذا الخصوص، تحيطنا علما فيها أن تحقيقا سيأخذ مجراه بشأن الأسئلة المزورة المُسربة عبر شبكة التواصل الاجتماعي.
وحتى وإن كان "الخطأ الفضيحة" المقترف في مادة اللغة العربية لشعبة العلوم التجريبية هو من اختصاص وزارة التربية الوطنية، والديوان الوطني للامتحانات والمسابقات، وأن الجميع ينتظر ما سينتهي إليه التحقيق الذي أمرت الوزيرة بفتحه بشأن الأخطاء المسجلة، خاصة وأن وزيرة التربية نورية بن غبريت أبعدت عن نفسها مسؤولية ما حدث، وحملته لهذا الأخير، وهي اليوم تنتظر منه جوابا شافيا، وفي أقصر مدة ممكنة.
ومن دون أن نسبق الأحداث، وندخل في سياق الاتهامات والتأويلات التي قد لا تكون مُجانبة للصواب، فقط نقول أن تساؤلات كبيرة طرحت ومازالت وستظل تُطرح حول ما إذا كان الخطأ الوارد في اسم صاحب القصيدة الشعرية خطأ عفويا، وصادرا عن تيه ولا مبالاة، وعدم تركيز، أم أن في الأمر إنّ، وإن كان في الأمر إنّ، هل البوصلة فيه موجهة صوب الوزيرة بن غبريت، التي يبدو أنها لم تلق الارتياح الوطني الكامل في مأموريتها حتى الآن، أم أن بن غبريت ومن معها، أو جهات نافدة من غيرها تبحث عن خلق مبررات قوية لخلخلة الديوان الوطني للمسابقات والامتحانات، وفرض تشكيلة محددة يُراد لها أن تعمل وفق منظور محدد، أم أن الصدمة الحاصلة هي صدمة مقصودة، وغير بريئة، وتستهدف ضرب المنظومة التربوية برُمتها، وضرب استقرارها، عبر ضرب امتحاناتها الرسمية، وفي مقدمتها هذه الشهادة التي مازالت في الجزائر هي الشهادة الأكثر مصداقية، والأكثر اعترافا "بنظافتها"، وفي هذا كله ضرب لاستقرار الجزائر، ونسف لهذا القطاع الحيوي، الممول لكل القطاعات في العالم كله.