فرنسا “تتخلص” من عقدها الاستعمارية مع الجزائر!

يحل بالجزائر، في الأيام المقبلة، رئيس لجنة الصداقة الجزائرية الفرنسية، في الجمعية الوطنية الفرنسية، باتريك مينوشي، في زيارة لم يتحدد موعدها، بينما يوجد بالجزائر رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والقوات المسلحة بمجلس الشيوخ الفرنسي، جان بيار رافاران، ومعه أجندة مثقلة باللقاءات مع المسؤولين الجزائريين.
لم يتحدد بالضبط موعد زيارة باتريك مينوشي، حيث أعلنت سفارة فرنسا بالجزائر، أمس، عن تنقله "قريبا" إلى الجزائر، من أجل رفع وتيرة التعاون البرلماني بين الجزائر وباريس. واللافت أن زيارات المسؤولين الفرنسيين إلى الجزائر تكثفت قبيل تخليد الجزائريين الذكرى الـ70 لمجازر 8 ماي 45، وتصاعدت دعوات فرنسية تطالب الرئيس فرانسوا هولاند بالاعتراف بتلك المجازر.
وتحادث رافاران مع الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية، عبد القادر مساهل، حول العلاقات الجزائرية الفرنسية و"الدور الريادي الذي تؤديه الجزائر من أجل تدعيم السلم والأمن في المنطقة وفي العالم". كما تحادث المسؤول الفرنسي مع رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، وتناولت المحادثات العلاقات "الثنائية المتميزة" ومجالات التعاون المتعددة التي يحرص مسؤولو البلدين على تعزيزها "لاسيما على الصعيد الاقتصادي بما يخدم المصالح المشتركة". وتناولت المحادثات، أيضا، الوضع في منطقة الساحل وقضايا أخرى.
وتحاكي زيارات المسؤولين الفرنسيين وضعا إقليميا، أبانت فيه الجزائر عن مواقف زكتها باريس، خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، إلى فرنسا ولقائه نظيره لوران فابيوس، وفي مقدمتها الملف المالي، حيث دعا إلى استكمال ملف المصالحة بمالي في ضوء اتفاق الجزائر، الذي بقي رهينة موقف الحركات الأزوادية، وكذلك ملف الأزمة في ليبيا، حيث أكدت باريس أنها تدعم طرح تشكيل حكومة وحدة وطنية التي تدعو إليها الجزائر.
وخارج الأهداف الاقتصادية، التي ترجوها باريس من زيارة رافاران الموصوف بـ"صديق الجزائر"، ارتبط اسم المسؤول الفرنسي، في زياراته إلى الجزائر، بـ"إذابة الجليد"، من حيث سعا رافاران إلى دفع العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وكانت له تحركات حثيثة تجاه الجزائر، بعد الإجراءات التي تبنتها الأخيرة بدءا من قانون المالية للعام 2009، بتكريس قاعدة 51/49 بالمائة التي أثارت حفيظة المستثمرين الفرنسيين، وشهد الاستثمار الفرنسي بالجزائر تراجعا كبيرا لفائدة شركاء آخرين، وسعت باريس من خلال رافاران إلى استعادة أسواقها بالجزائر في ظرف تنافسي، أثناها عن تحقيق هذا الهدف، في مستعمرتها القديمة.
لكن ارتباط هذه الزيارات، وخاصة الزيارة المرتقبة لرئيس لجنة الصداقة الجزائرية الفرنسية، باتريك مينوشي، بقرب تخليد ذكرى مجازر 8 ماي 45، يطرح تساؤلات حيال: ما الذي يمكن أن يقوله الفرنسيون، بعد رفض باريس الاعتراف بهذه المجازر، خاصة بعد تصاعد نداءات لفرنسيين يطالبون هولاند باغتنام الذكرى من أجل "التكفير عن ذنب فرنسا"، وهي الدعوة التي وجهها النائب الاشتراكي، دانيال غولدبرغ، في رسالة للرئيس فرانسوا هولاند، الأربعاء الماضي، مفادها أنه "حان الوقت لتعترف فرنسا بالخطأ الفـــــــــــــــظيع الذي ارتكبته خلال قمعها العنيف للمظاهرات التي شهدتها مدينة سطيف في 8 ماي 1945 ومدينة باريس في 17 أكتوبر 1961". وتزامنت الرسالة، أيضا، مع تحركات حثيثة لجمعيات فرنسية تجمع توقيعات في عريضة توجهها للرئيس فرانسوا هولاند تطالبه بالاعــــــــــتراف بمجازر ماي 45.
وفي مقابل التحركات داخل فرنسا لحمل هولاند على الاعتراف، انكمشت المساعي الجزائرية "غير الرسمية"، عن الاستمرار في مطالبة البرلمان بإقرار مشروع قانون تجريم الاستعمار، بعد تجميد مشروع القانون على مستوى مكتب المجلس، عام 2010، ورفع البرلمان الجزائري عبئا ثقيلا عن الحكومات الفرنسية التي تعاقبت منذ ذلك التاريخ، وتحولت رؤية المسؤولين الفرنسيين لجرائم فرنسا بالجزائر إلى "نظرة تحسر"، لكن دون "اعتراف رسمي"، في رسائل مبطنة تفيد بأن أحداث السابق، وحدها خزائن التاريخ تؤويها، أما الحاضر والمستقبل فشيء آخر، ولمعرفة الفرنسيين أن مطالب فئات معينة من الجزائريين بالاعتراف بجرائم بلادهم صارت في "التاريخ"، فلم يتحرج هؤلاء من زيارة الجزائر في أبرز ظرف يمكن أن يذكر فرنسا بما فعلته بالجزائريين، مثلما لم يجد سكرتير الدولة الفرنسي لشؤون قدامى المحاربين، جان مارك تودشيني، حرجا في برمجة زيارة إلى مدينة سطيف، للمشاركة في الذكرى الـ70 للمجزرة التي أبيد فيها 45 ألف جزائري، وهو أول مسؤول فرنسي سيقوم بذلك منذ الاستقلال.